الثلاثاء، 31 مايو 2011

الست أم مراد صديقة الملائكة
من كتاب رائحة المسيح الذكية في ابرار معاصرين
ابونا لوقا سيداروس
كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس – اسبورتنج اسكندرية

عاشت هذه البارة بيننا سنين كثيرة وعرفناها عن قرب فكانت بالحقيقة أيقونة جميلة لحلاوة العشرة مع الله، فقد جمعت بينالبساطة التي للأطفال الصغار والإيمان العميق الواثق في الله، وقد حباها الله بدالةعجيبة لدى القديسين ولاسيما رئيس جند الربالملاك ميخائيل، فقد تعلقت به منذ صباها وظلت علاقتها الإيمانية به تزداد وتنمو خبرتها مع الأيام وتوالي الأحداث في حياتهاوقدكانت تثق ثقة فائقة في أنه إذا ما طلبت إليه أو تشفعت به، أن طلبتها لابد أن تجاب وأنها ستنال ما سآلته مهما كان يبدو بعيدالمنال.
قصة تعارف عجيبة:كنا يومها نصلي القداس الإلهي في كنيستنا الحبيبة كنيسة مارجرجس باسبورتنج بالاسكندريةأبونا بيشوى كامل وأنا، كان ذلكحوالي سنة 1969 ، وبعد نهاية القداس، جاءتني هذه السيدة، بسيطة في مظهرها وهي كما عرفتني أرملة، وأم لثلاثة شبان، كانتتقيم من قبل في بني سويفقبل أن يتوفى رجلهاويومها جلست تحدثني عن رغبتها في بناء كنيسة على اسم رئيس الملائكةالجليل ميخائيل، وللحق أقول إن يومها ما أخذت الكلام مأخذ الجد، لأن السيدة التي كانت تحدثني امرأة فقيرة، ليست من الأغنياءوبناء كنيسة يحتاج إلى كثير من المال، بل والكثير جدًا، غير ما يقابل هذا الأمر من عقبات وعقبات لذلك كنت استمع إليها مجردالاستماع، ثم إذا بها تخرج لفة قماش مصرورة وتقدمها لي وتقول: "خذ هذه الخمسين جنيها وابن لي بها كنيسة على أسم الملاك ميخائيل!!!!!!!!!!." فقلت لها: "يا سيدتي إن خمسين جنيها لا تكفي لشراء رخام للمذبح (في ذلك الوقتونحن نبني الأن كنيسةعلى اسم القديس تكلا هيمانوت الحبشي بالإبراهيمية، وهو صديق للملاك ميخائيل، فممكن توجيه هذا المبلغ لبناء مذبح بالكنيسةباسم الملاك ميخائيل وهذا يوفي الغرض أما بناء كنيسة فهذا أمر مستحيل."كان كلامي يبدو غير مريح للسيدة الجالسة إلى جواري، وإذا بها تسترد صرة النقود من يدي وتقول: "هات، إنت معندكش إيمان؟"قلت لها: "إيمان بماذا؟قالت:"إيمان بأن ربنا ممكن يعمل بالقليل." وبدأت تقص لي عجائب الملاك ميخائيل معها، حتى قالت: "أطلب من السماء حاجة، صدقني أحضرها لك أوعى ما تصدقش، ده أنا الملاك عمل معايا حاجات كثيرهخللي الفلوس عندك، ولماتبان الكنيسة، اجعل الفلوس دي خميرة للبركة... وهتتبني الكنيسةأنا عمري ما طلبت حاجة ولم آخدها." تعجبت من هذهالسيدة،وذهبت لآبينا بيشوى كامل، وحكيت له حكاية هذه السيدة، فقال لى: "حسب إيمانها يكون لها، احفظ هذه الوديعة عندكوانتظر ونشوف ربنا يعمل ايه." وقد كانوالعجيب إنه لم يمضي أسبوع حتى جاء إلى الكنيسة رجل وقور، جاوز الستين من عمره، كان يعمل مفت ً شا للغةالإنجليزية،وهو وزوجته، ولم يكن لهما أولاد وكان يسكن في فيلا يملكها في منطقة مصطفى باشا، ولم يكن لنا سابق معرفةبالرجل، وطلب أن يجلس معنا، وقد تصادف وجود أبونا بيشوى وأنا بالكنيسة، وعندما جلسنا قال الرجل إن الفيلا التي يملكها يريدأن يتنازل عنها للكنيسة، لأنه ليس له أولاد من بعده وهو في غنى أن يكون له مقتنيات في الأرض.قال له أبونا بيشوى: "واحنانعمل إيه بالفيلا؟فقال الرجل: "اعملها كنيسة." فقال أبونا: "دعنا نصلي ونطلب إرشاد اللة في هذا الأمر." وبعد أيام ذهبنا لزيارةالأستاذ ميخائيل مفتش اللغة الانجليزية في الفيلا في مصطفى باشا، فيلا صغيرة في شارع ضيق والمنطقة مقطوعة، ليس فيهاحركة ولا أنوار في الليل... يخاف الانسان أن يسير فيها، والمنطقة ليست منطقة مزدحمة بالسكان وعدد المسيحين محدود... فهلتصلح أن تكون كنيسة؟كنا نصلي ونضع الأمر أمام الله وكان المتنيح البابا كيرلس السادس موجودًا بالإسكندرية، فذهبنا إليه وعرضنا عليه الأمر، فقالالبابا بكره الدنيا تتغير، وتبقى كنيسة كويسة، روحوا خلوه يعمل التنازل.وفي اليوم التالى كان الأستاذ ميخائيل يوقع على التنازل بالبطريركية، وكتب أنه يتنازل عن ملكية الفيلا للبطريركية لإقامة كنيسة باسم رئيس الملائكة ميخائيل وفي حال عدم بناء الكنيسةترجع إليه الملكيةيومها قال لي أبونا بيشوى: "فين الخمسين جنيه بتاعة الست صاحبة الملاك ميخائيل؟فأحضرتها، ودفعتهاللممول لبداية العمل في هدم الفيلا، وإقامة مبنى بسيط لكنيسة الملاك ميخائيل في مصطفى باشا.وفيما كان العمال يحفرونالأساسات، إذا بهم يجدون قطعة من حجر جيري برسم قربانة مملوء صلبانا، فعلمنا بما لا يدع مكاًنا للشك أن العمل من البداية هوعمل إلهي، وأيقنت لساعتها أن رغبة الست أم مراد أن تبني كنيسة كانت تحركها يد خفية، وأن الله يتكلم في قلب مختاريهويحركهم لعمل مسرته.
صدقات في أماكن كثيرة:عرفت فيما بعد أن الست أم مراد تسافر في كل سنة إلى أماكن بعيدة في إيبارشيات مختلفة، قرى وعزب ونجوع لا يعرف عنها أحد، وهناك أعمال رحمة لكنائس وفقراء على قدر ما تسمح لها ظروفها المحدودة، بل وفوق الطاقة أيضًا، كانت تذهب إلى قرى فيالفيوم وبني سويف، وبعض مناطق تابعة لأسوان في بعض الأحيانولما تقدمت بها الأيام ولم تكن تحتمل مشقة السفر، كانتترسل إلى تلك الأماكن المتعددةوكانت تفرح فرحًا فائًقا عندما تجد أماكن للعبادة في تلك المناطق، وتشجعهموفي مرات كانتتطلب مني بعض الستور أو أوانى المذبح فتذهب بها إلى تلك الأماكن، كانت عجيبة إذ وضع الله في قلبها هذه، العناية وهذه الخدمة.
من حيث يأتي عوني:جلست في شرفة منزلها ذات يوم، وكان عيد الملاك ميخائيل يوم 12 بؤونه ( 18 يونيهيقترب، وكانت في تلك الأيام قليلة الموارد جدًا، إذ كان زوجها قد توفى وترك لها ثلاثة أولاد وليس لديها سوى معاش بسيط، كان قلبها يتحرك في داخلها أن تعمل الصدقات،وتفتقد بعض المرضى والمعوزين ولكن وقد ضاق بها الحال، وليس لديها من مال الدنيا شيء، جلست تصلي رافعة بصرها نحوالسماء، وكانت تعاتب الملاك ميخائيل فتقول له ليه تسيبني أصل إلى هذه الحال التي لا يكون عندي شيء أقدمه، فظهر لها الملاكوعزاها بمنظر بهي في السماء، ولم تتحرك من جلستها، و إذا بساعي البريد يطرق بابها، ويسلمها خطاب به شيك من مصلحةالمعاشات فروق قديمة مستحقةفكم شكرت الله وازداد ايمانها، وبعد يومين كانت في طريقها إلى بني سويف والفيوم والأماكن التياعتادت أن تصنع فيها عمل الرحمة وخدمة اخوة الرب.
بدل الشغالة:بعد أن أنعم الرب عليها، إذ تخزج ابنها الأكبر من كلية الهندسة، استأجر لها إحدى الشغالات لتعاونها، وكان يدفع لها جنيهين فيالشهر، وإذ كانت مواردها لم تزل محدودة، ووجدت أنها تستطيع أن تقوم بأعباء المنزل بمفردها، استغنت عن الشغالة، وقالت ليأنا باشتغل بدل الشغالة ومرتبها ممكن أوزعه، كانت يومها تقول لي ضميري تعبان لاني مشيت الشغالة، كان بودي أنها هي كمانتجد مصدر رزق، لكن أنا ما يهمنيش التعبربنا بيساعدني علشان باساعد أولاده.
قوته في الضعف:شعرت في يوم من الأيام بتعب شديد وصداع بالرأس لم تجد له علاجًا وبعد أيام أصر أولادها أن تذهب إلى الطبيب، وتحت ضغطشديد ذهبت في اليوم التالى إلى عيادة الدكتور عزيز زكي أستاذ الأمراض الباطنةبمحطة الرمل بالإسكندريةوانتظرت إلى أن يأتيدورها، وهي في غاية من التعب بالكاد تستطيع أن تفتح عينيها، ثم إذ جاء دورها بين المرضى دخلت إلى حجرة الكشف، وما أنوقع الدكتور عزيز زكي الكشف عليها حتى اضطرب إذ كان ضغط الدم عندها مرتفعجدًا حتى خشى الرجل على حياتها، وقال لها: "من معك.؟فقالت: "لا أحد." فقال: "هذا مستحيل، انك لا تقدرين أن تذهبي إلى بيتك بمفردك." لاسيما إنها كانت تسكن بعيدًا عنمحطة الرمل، في شارع خالد بن الوليد-سيدي بشرفقال لها الدكتور: "خذى تذكرة العلاج وحاولي أن تصرفيها بسرعة، وخذيتاكسي واذهبي حالأ للمنزلالمفروض ان أدخلك المستشفى. "فشكرته، وقالت له: "يا دكتور بنعمة المسيح وشفاعة الملاكميخائيل أنا كويسة." ونزلت من العيادة، لم تشتر الدواء ولا ركبت تاكسي بل توجهت إلى كنيسة الشهيد مارمرقس الإنجيلي، وعند أيقونة رئيس الملائكة ميخائيل، وقفت مصلية باكية... إلى بعض الوقت، وخرجت من باب الكنيسة في كامل الصحة، وكأنه لم يكنبها مرض ورجعت بيتها تمجد الله.فلما عاد ابنها وكان في نهائى طب قالت له: "يا ابني قس ضغط الدم لي." فلما قاس وجده طبيعيًا جدًا... فقالت لة ما قاله الدكتور، ومجدت الله وبيتها وعملت تمجيد لرئيس جند الرب .
الملاك رافائيل:كان هذا في سنة 1984 عندما حضرت إلى الست أم مراد وهي متهللة جدًا وتحدثت بأعمال الله معها، كيف عظم الصنيع مع أولادهاوأعطاهم جميعًا سؤل قلبهم فالأول مهندس ناجح والثانى ضابط طبيب، وقد كان من آخر اعمال الله، أن ابنها الطبيب رغب أن يذهبإلى السعودية ليعمل هناك بعض الوقت، وكان منذ سنة قد قدم للالتحاق بإحدى المستشفيات هناك، ولكن لم يوفق إذ وجد شروطالوظيفة لا تناسبه، بعد أن تقابل مع وفد سعودىمضت سنة وعاد نفس الوفد ليعمل مقابلات مع أطباء في مصر، ثم قابلهم للمرةالثانية ووضع أمامهم شروطه التي توافقه من جهة المرتب وخلافه ولكن لم يوافق الوفد على هذه الشروط، ورجع الابن من القاهرةتبدو عليه علامات الضيق ولما سألته سرد لها تفاصيل المقابلة وانهم انتهوا إلى الرفض، ولم يتفق هو معهم وتركهم راجعًا.كان يومها يوافق 2 نسى، أى 7 سبتمبر، وكان تذكار الملاك رافائيل مفرح القلوب يقع في اليوم التالى أى 8 سبتمبروهنا رفعت هذه البارة قلبها بالصلاة وقالت يا ملاك الله رافائيل يا مفرح القلوب إن فرحت قلب ابني واذهبت عنه هذا الضيق، سأفرح قلبك وابنيعلى اسمك كنيسة.ومن العجب أنها اشترطت عليه هكذا قائلة إن أسمعت ابني خبرًا يفرح قلبة قبل منتصف الليل سأعرف أن الرب سمع طلبتي بشفاعتك المقبولةوالمذهل أن تليفون المنزل يدق قبل منتصف الليل بدقائق، ويكون المتكلم رئيس الوفد السعودي ويبلغ ابنهابقبول جميع الشروط وحصوله على الوظيفةيومها قالت لي سأحضر لك مبلغ كبيز في هذه المرة لتبني كنيسة على اسم الملاكرافائيل الذي فرح قلب ابني، حًقا أنه مفرح القلوب.ومن أعجب التدابير الإلهية أننا كنا مشغولين في تلك الأيام بالبحث عن قطعة أرض تصلح لتكون كنيسة في إحدى المناطق، ولم نوفق إلى ذلك اليوم، فلما تقابلنا مع هذه الأم الفاضلة، استبشرنا خيرًاوتأكدنا أنه خرج الآمر من قبل الرب، وكان يومها حولنا أحباء من الخدام مع أبونا كيرلس داود، قالت لهم يومها على سبيلالمداعبة، المرة الماضية كان المبلغ 50 جنيهًا أما هذه المرة سيكون 200 جنيهًا وقد فوجئت بها بعد عدة ايام تحضر لي ظرف به مبلغ 200 جنيهًا فعلاً فحفظته للبركة شاعرًا أنه خميرة صغيرة تستطيع أن تخمرالعجين كله، وفي غضون أسابيع قليلة كنا قد اشترينا الأرض بمبلع 200,000 جنيه لتبنى كنيسة باسم الملاك روفائيل مفرحالقلوب.
القديس أنبا مقار:كان المهندس مراد ابنها الاكبر يعمل في شركة أولاد مقار، وكان عمله في الطريق الصحراوي بالقرب من دير القديس أنبا مقار بوادى النطرون، ولذا كان يقيم في الموقع ربما أسبوعًا أو أكثر، ثم يذهب إلى الإسكندرية يومًا أو يومين ثم يعود إلى عمله، وعندماكان يتحصل له بعض الوقت يزور دير القديس أنبا مقار يلتمس البركة ويأتي إلى بعض الآباء الرهبان يسمع منهم كلمة منفعةوكلمة تعزية، واذ توثقت العلاقة بينهم كان يمد يد المساعدة في إصلاح المعدات الثقيلة، والأوناش للدير لأن هذا كان تخصصه... ثمإذ يرجع في أجازته الأسبوعية كان ينقل لوالدته أخباره مع الدير، والآباء الرهبان، فكانت تدعي له بالخير والبركة ولكنها كانتمشغولة عليه لبعدهوكانت تصلي أن يكون عمله بالإسكندرية بجوارها وفيما هي منشغلة بهذا الفكر، تطلب بقلبها الطيب إذابالقديس مقاريوس الكبير يظهر لها ويتحادث معها، وكما وصفته لي رجل كبير السن بهي المنظر جدًا، طويل القامة ونحيف، وهيلم تسمع عن أنبا مقار من قبل، ولا تعرف عنه شيئًا،والعجيب أن التاريخ يصف القديس أنبا مقار بهذه الأوصاف تمامًافلما رأته وعرفته طلبت إليه في توسل واثق أن ينقل ابنها منالصحراء الى الإسكندرية وقالت له كفاية المدة اللى سكنها جنبك وكان يخدم ديرك ويصلح الحاجات بتاعة الديرفي ذات الأسبوعنقل مراد إلى مقر الشركة بالإسكندرية.
هكذا كانت حياة هذه الأم الباره ،سلسله من الأعاجيب، ويد الرب التي سندتها، كانت واضحة لجميع المحيطين بها، لا سيما شفاعة الملاك ميخائيل الذي لم يخيب لها طلبة مدى الحياة، إلى أن انطلقت إلى الرب بسلام.__
من كتاب رائحة المسيح الذكية في ابرار معاصرين
ابونا لوقا سيداروس
كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس – اسبورتنج اسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق