الأربعاء، 8 يونيو 2011

الملك ..نظير أنبا يوساب


كان شيخ في برية الاسقيط اسمه يوساب وكان شيخا كبيرا متقدما في الأيام و قد ضمر جسمه من الصوم والصلاة و التعب وكان طعامه من أعشاب البرية و لباسه من الليف الخشن و كان لايفتر عن التسبيح ..و انتهت به عبادته الي أنه صار يركب علي السحاب و يتغذي من طعام يأتيه من السماء في أوقات معينة ..وهو يزيد في فضائله محقرا ذاته و يشعر أنه غير مستحق ما صار اليه
ومع هذا اشتهي من الله فكرا ..وهو أن يريه انسانا يماثله في نعيم الأخرة .. وطلب ذلك من الله بخضوع وتضرع كثير فجاء اليه صوت يقول له " يا يوساب .. الملك الذي في أنطاكية سيكون نظيرك في السماء "
حينئذ ركب الشيخ علي السحابة ...وطلب من الله أن يو صله إلي أنطاكية فأجاب طلبه ونزل خارج المدينة و أخذ جريدته بيده وقصد باب المدينة و عند الباب وجد الملك خارجا من المدينة في موكب و حوله الحراس بالتبجيل و التعظيم ...و اذ بالملك أقبل راكبا وفرسه مثقل بالحلي و المجوهرات التي عليه و كانت أشعة الجواهر المختلفة الألوان التي في التاج علي رأس الملك تضئ
حينئذ ندم الشيخ وحزن لما أبصر عظمة الملك هذه و قال " من يكون هذا الملك العظيم و كيف يكون له ميراث في ملكوت السموات ؟؟ " و صار حزينا باكيا وحدث ازدحام عند الباب و صا الشيخ في تعب شديد و لما وصل الملك الي الباب ..التفت الملك الي الشيخ و قال له " يا أنبا يوساب لقد اشتهيت لنفسك تعبا ما كنت في حاجة اليه " و أمر بأن يمضوا به الي القصر حتي يعود ..فلما سمع الشيخ قول الملك فرح جدا وقال " لولا أن الله ساكن في هذا الانسان لما عرفني و لا عرف قصتي " .. و لما وصل القصر ..


جلس في الدهليز حتي عاد الملك  .. ولما نزل الملك من مركبته أخذ بيد الشيخ ودخل الي مجلس عظيم قد هيأ فيه الطعام للعساكر فجلسا علي ناحية من الطعام ودخل العساكر كلهن و شبعوا من تلك الأطعمة اللذيذة و انصرفوا
حينئذ قام الملك و الشيخ و دخلا الي القصر ..و اذ بالملكة تلاقيهما و عليها من الحلي و الجواهر ما يفوق الوصف وحولها من الجواري جمع كثير حسان المنظر مجملات باللباس و الحلي ما يفوق وصفه و ظللن في خدمة الملك حتي جلس في عرشه و حينئذ انعزلت الملكة وجواريها عنهما و بعد ساعة عادت اليهما وهي لابسة مسح ( نوع من الخيش شديد القسوة علي الجسم ) وعند ذلك انعزل الملك أيضا ولبس مسح شعر وعاد ثم نهضا وخرجا من ذلك الموضع و الشيخ معهما وجاءوا الي مكان آخر في القصر فيه راهب جالس يعمل فيه شغل ..فلما رأهم الراهب وقف ودنا من السائح و قبلا بعضهم بعضا و صلوا جميعا مزامير تلك الساعة و تلوا البركة وجلسوا ..و اذ بخادم صغير جاء الي الملك و الملكة بشغل ايديهما فتناول كل واحد صنعته ليعمل فيها
ثم قال الراهب للسائح " يا أنبا يوساب ان الله تبارك اسمه أراد أن يعطيك خبرة عظيمة لأنه أظهر لك سيرة حياة الملك و زوجته " و تحدثوا جميعا في عظائم الله حتي الساعة التاسعة ثم جاء خادم بمائدة عليها خبز وطعام رهبان فصلوا و أكلوا و رفعت المائدة .. وعزم السائح علي الانصراف فتباركوا منه و قال الراهب للسائح سرا " امض بسلام الرب و عظ هذه السيرة فانها عظيمة جدا .. لأنك رأيت عظمة الملك و زوجته و ها أنت تري عيشتهما و التواضع الذي هما فيه حتي انهما لا يتناولان شيئا من طعام المملكة البتة الا من شغل أيديهما و في هذا كفاية "

ثم أن السائح ودعهم و ركب علي السحابة و عاد الي موضعه ببرية الاسقيط وهو متعجب مما رأي ويمجد الله الذي له التسبيح و العظمة والإكرام الي الأبد أمين

كتاب فردوس الأباء 
4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق